الآن تظهر مشكلةٌ هامّةٌ جدّاً، و هي: ”أمامي الكثير لأنجزه، و لكنّي لا أجد الوقت الكافي لذلك.“ هذه هي المشكلة التي كثيراً ما وقف الكثيرون أمامها عاجزين، بمن فيهم كاتب هذه الورقة.الآن أعرض لبعض الحلول التقليديّة و أعلّق عليها ثمّ أتحدّث بعد ذلك عن بعض الطرق الفعّالة جدّاً و المهملة كثيراً:
* النظام كسبٌ للوقت: كثيراً ما يعود الوقت المنفق على تنظيم العمل بتقليل الوقت الإجماليّ للعمل، هذا بالإضافة إلى امتيازه بتجويد العمل. يظهر هذا بصورةٍ جليّةٍ عندما يكون أمامك أكثر من عملٍ لتنجزه في نفس الوقت. هذه النقطة ينبغي الالتزام بها كقاعدةٍ عامّةٍ.
* الراحة كسبٌ للوقت: ينطبق هنا نفس ما قيل في النقطة السابقة، فالعمل مع الإرهاق قليل الكفاءة كثير الأخطاء، و الوقت المضاع في معالجة هذه الأخطاء قد يكون أكبر من الوقت المنفق على الراحة. على كلّ فالاستثناء هنا أكثر منه في النقطة السابقة.
* التمرين و زيادة سرعة الأطراف: كذلك قد يكون الوقت المنفق على التمرين كسباً في الوقت الإجماليّ للعمل. و يمتاز فضلاً عن سابقَيه بامتداده إلى الأعمال التي قد تلي؛ فبينما تحتاج لأن تنظّم كلّ عمل و أن ترتاح لكلّ عملٍ فإنّك لن تحتاج لأن تتدرّب على شيءٍ ما أكثر من مرّةٍ واحدةٍ. و كلّنا قد يعرف أن سرعة الكتابة و القراءة كسبٌ في وقت الطالب، جودة الخطّ كسبٌ في وقت القارئ و بالتالي وقت الكاتب (كيف؟)، سرعة الطباعة كسبٌ في وقت المبرمج، جودة الخطابة كسبٌ في وقت المتحدّث، إلى غيرها من الأمثلة. و الخلاصة هي: ينبغي الالتزام بهذه النقطة كقاعدةٍ عامّةٍ.
* تحسين أدوات العمل: ربّما كانت الأدوات التي تستخدمها غير جيّدةٍ أو غير مناسبةٍ. قد يكون الوقت المضاع في التعامل مع أدوات غير جيّدةٍ و في إصلاح الأخطاء الناتجة عن استخدامها أغلى من ثمن أدواتٍ جديدةٍ جيّدةٍ. لا تلجأ لهذا الحلّ إلاّ مضطرّاً و بعد أن تتأكّد من أنّ الأدوات التي تستخدمها هي حقّاً ليست جيّدةً.
* العمل في مجموعة: ربّما كان العمل أكبر من وسع شخصٍ واحدٍ. إن كانت هذه هي الحالة فإنّ الوقت المنفق على إقناع الآخرين بالعمل معك قد يكون كسباً في الوقت الإجماليّ للعمل. لا تلجأ لهذا الحلّ إلاّ مضطرّاً و بعد أن تتأكّد من أنّ العمل فعلاً أكبر من وسعك. و التحذير هنا أكبر منه في النقطة السابقة، لأنّ استخدام الأدوات الجيّدة حتماً سيكون في صالح العمل حتىّ لو لم يكن ضروريّاً، أمّا الاستعانة بعددٍ من الناس أكبر مما يتطلّبه العمل فإنّها كثيراً ما تكون في ضرر العمل و تزيد الوقت اللاّزم لإنجازه: تذكّر أن هنالك وقتٌ يحتاجه تنظيم الناس يزيد بزيادة عددهم.
هذه الطرق كلّها معروفة، و قد تبدو سهلةً لأنّ تطبيقها مباشرٌ لا يحتاج إلى تثبيت مفاهيم جديدة، لكنّها ليست عالية الكفاءة في كسب الوقت. و عندما تتذكّر أنّ هنالك من استطاع أن يحفظ أكثر من 600.000 حديثٍ، من استطاع أن يؤلّف أكثر من 400 مؤلّفٍ، أن ينحت جبلاً بكامله، أن يؤسّس علوماً كاملةً تجد أنت من الصعوبة ما تجد لاستيعابها، فإنّك تبدأ في البحث عن طرقٍ أكبر كفاءةٍ في توفير الوقت، و قد تصل إلى الطرق التالية:
* حسن الاستغلال: كثيراً ما يكتشف الشخص متأخّراً أنّه كان يجلس على كنزٍ و هو لا يدري، و أنّه كان يظلم الأدوات التي كان يستخدمها، بما فيها عقله نفسه. فهذه الحاسبة الرديئة لم تكن متوفّرةً لنيوتن، و ذلك الحاسب البطيء قد يكون أسرع مما استخدم في إرسال أبولّو 11، و شبكة الإنترنت لم تكن متيسّرةً قبل زمنٍ قريبٍ. «لا تبحث عن عذرٍ، فالعذر لا يحتاج لبحث.» إذن فسوء الاستخدام و عدم الدراية قد يضيعان نصيباً مقدّراً من الوقت، و القاعدة هي: «اعرف قيمة ما تملك.»
* هل المشكلة مشكلة وقتٍ فعلاً؟ لابدّ من الإجابة على هذا السؤال لإيجاد حلٍّ عالي الكفاءة، فلو كانت المشكلة عدم رغبةٍ أو قلّة حماسٍ فإنّه يجب حلّها بدلاً من تجريب الطرق المذكورة. و من لا يخدع نفسه في هذه الكلّيّة قد يرى أن مشكلة أعمال السنة و تكدّس الواجبات و ضيق السمستر ليست في الحقيقة مشكلة وقتٍ و إنمّا هي مشكلة قلّة حماسٍ. و عدم الرغبة و قلّة الحماس مشاكلُ قائمةٌ بذاتها، و لن نتحدّث عن حلها الآن في هذه الورقة.
* زاوية النظر و طريقة التناول: مثلما يكون المنظر المتقايس و المساقط المساعدة لجسمٍ أوضح من المساقط الأساسيّة (التي تملك ميزاتها في المقابل)، كذلك قد توجد أكثر من طريقةٍ لأداء عملٍ ما، و لكلّ طريقةٍ قد توجد مزايا و عيوبٌ. الفلسفة المتّبعة هنا هي أنّ الوقت المنفق على البحث عن الطريقة الأفضل قد يكون كسباً في الوقت الإجماليّ للعمل. خذ مثلاً المسألة: ”أوجد معادلة المخروط الذي زاوية رأسه و رأسه النقطة (x0,y0,z0) و يمرّ محوره بالنقطة (x1,y1,z1).“ استخدام الهندسة التحليليّة لحلّ هذه المسألة قد يكون معقّداً، بينما قد لا يحتاج حلّها باستخدام المتّجهات لأكثر من خمسة أسطرٍ. و قد قال أحد زعماء الشطرنج: ”إذا خطرت لك نقلةٌ جيّدةٌ فلا تلعبها؛ فكّر قليلاً و ستجد نقلةً أروع،“ و هذه هي الطريقة.
هذه هي الطرق التي أعرفها لكسب الوقت، و أنتظر أن أعرف المزيد. و الطريقة الأخيرة هي في نظري الأكثر كفاءةً، فقد توفّر الوقت لدرجة لا نهائية، و يمكن أن تعمّم لتشمل كلّ الطرق الأخرى (كيف؟)، كما أنّها تنتج نتائجَ عجيبةً لو قُرنت بحسن الاستغلال (الطرق الطويلة تكمن فيها خبرةٌ كبيرةٌ). و بهذا الموضوع الهامّ جدّاً و المتناول هنا ببعض الاختصار نختم هذه السلسلة لهذا الفصل الدراسيّ، على أمل أن نلتقي مجدّداً في الفصل القادم إن شاء الله.