منطق غريب

أريد الآن أن أناقش بعض المنطق الغريب الذي يفكّر به الناس هنا كثيراً، و أن أدعو إلى تجنبّه و التخلّص منه:

* استغلال النفوذ: استغلال الشخص صلاحيّاته في غير ما خصّصت له سلوكٌ غير حميدٍ و مجافٍ للمدنيّة. لكن ليس هذا ما أتحدّث عنه، و إنّما أتحدّث عن الاستعانة بصلاحيّات من يوافقك من ذوي النفوذ ضدّ من لا يوافقك، مثل الاستعانة بإدارة الكلّيّة لوقف نشاطٍ ما في أسبوع الطلاّب و الاستعانة بمدير الجامعة لوقف نشاط الجبهة الديموقراطيّة في موقفٍ ما. من يفعل هذا يحقّق مكاسب وقتيّةً بسيطةً نظير خسائر كبيرةٍ في مقبل الزمان، فهو بذلك يرسّخ أدباً غير حميد هو تسلّط المسئولين خارج إطار صلاحيّاتهم. أما تذكّر أنّ الأيام دولٌ و أنّه غداً يأتي عليه الدور ليسلّطوا عليه رؤساءه؟ و لتذكر أنّ دولة الظلم و الفساد كثيراً ما تكون أطول من دولة الحقّ. فمن فعل هذا فلا يستغرب غداً حين تفكّر الإدارة في توحيد زيّ الطلاّب و غيره. على كلّ فهذا ليس هو منطقي في رفض هذا النوع من التصرّفات بل سيظهر لك في النقطة التالية.

* تأليه الرئيس: الكثير جدّاً ممّن قابلت يتعاملون مع الرئيس (أعني مفهوم الرئيس: خانة الرئيس أينما وُجدت) كأنّما هو إله يعرف كلّ شيءٍ و يصيب و لا يخطئ و لذلك يستحقّ صلاحيّاتٍ تكاد تكون مطلقةً. و هذا المنطق بالذات وجه قصورٍ و نقطة ضعفٍ في تفكير كثيرٍ من اليمينيين. أقول: «لا أرى الرئيس إلاّ موظّفاً له مسئوليّةٌ محدّدةٌ يعطى نظيرها صلاحيّاتٍ محدودةً.» و لتذكر الحديث: «كلّكم راع و كلّكم مسئولٌ عن رعيّته …»‏

* مفهوم ‏’الحكومة‘: كثيراً ما تسمع: ”الحكومة بتستفيد شنو؟“! حتىّ بدأت أشكّ أنّنا في بلدٍ ملكيٍّ. هكذا نفكّر مع كلّ أسف. أقول: «لا أرى الحكومة إلاّ نظاماً إداريّاً يشغله عددٌ من الموظّفين لكلٍّ منهم وظيفةٌ محدّدةٌ يعطى نظيرها صلاحيّاتٍ محدودةً و يتقاضى عليها راتباً محدّداً.» أذن فكلّ موارد البلد ملك الشعب، و يجب أن تدار (بواسطة الحكومة) لصالح هذا الشعب، حاضره و تاليه، و هذا ما يعرف بالصالح العامّ. و المهمّ ليس قوّة الدولة بين الدول، و لا عمران هذه الدولة، و إنّما سعادة و استقرار و أمن و سلامة شعب هذه الدولة؛ و إلاّ لكان فرعون أفضل حاكمٍ إذ كانت دولته قويّةً متينةً و عامرةً.

* اللجوء للقوة: هكذا يفكّر الناس في ليّ يد الشخص حتىّ يؤدّي عمله، و هو أسلوبٌ مجافٍ للمدنيّة و غير مأمون العواقب، إذ أنّ من تعوّد على المراقبة و الضغط لن يعمل إلاّ بهذه الطريقة. و مثلما كان الأفضل أن يعلّم الناس أبناءهم الاستيقاظ باكراً قناعةً منهم بفائدة ذلك بدلاً من أن يوقظوهم كلّ يوم، كذلك يمكن أن يتعلّم الطالب أن يقرأ قناعةً من نفسه لا لأجل الامتحان، و أن يتقن الشخص عمله من دافعٍ داخليٍّ لا خوفاً من الرقابة و المحاسبة. أضيف: و إذا كان الطلاّب لا يحضرون المحاضرات فهذه مشكلةٌ لابدّ من حلّها، و لكن استخدام قائمة الحضور لضبط الناس ليس حلاًّ للمشكلة أبداً و إنّما هو إخفاءٌ لأحد أعراضها؛ مثل استخدام الماء البارد لخفض حمّى الملاريا. و لنتّفق على هذه العبارة: «ليكن مطلبنا دائماً هو الحلّ الصحيح لا ’الحلّ‘ السهل.»‏

* من المؤسف أنّ الناس تغفر للمتعوّد على الخطأ (و إن كان مستهترا) أكثر ممّا تغفر للشخص الخيّر غير المتعوّد على الخطأ؛ فكأنّما كانوا ينتظرون في هذا الأخير فرصةً. بهذا الطريقة المؤسفة و المخزية يخسر الناس أخيارهم الأجدر بقيادة مجتمعهم. ما أتّمنّاه هو أن يعضّد الناس أخيارهم هؤلاء بالالتفاف حولهم محاولين الحفاظ عليهم كرموزٍ و أعلامٍ و وقايتهم من السقوط في الخطأ؛ فإن وقعوا في الخطأ قوّموهم بكلّ أدبٍ و احترامٍ بدلاً من إسقاطهم في أعينهم.

* من المؤسف كذلك أنّ الناس تذمّ صاحب الألف دينارٍ الذي ينفق ديناراً واحداً و ترميه بالبخل أكثر ممّا تذمّ مثيله الذي احتفظ بماله و لم ينفق منه شيئا. هذه هي الطريقة التي يعامل بها الناس فعلاً حسناً و لكنّه أقلّ ممّا توقّعوه كأنّما لو كان فعلاً سيّئا. يا للعجب!

* أيضا لاحظت أنّ الناس تذمّ من فشل في حلّ مشكلةٍ ما بدلاً من أن تذمّ من تسبّب في هذه المشكلة. هذا المنطق الغريب قوبلنا به بعد توقّف موسم الإبداع بسبب عرقلة إدارة الجامعة له. قيل لنا: بل فشلتم بسبب ضعفكم و اختلافكم. و أنا من هنا أريد أن أذكّر الناس بأنّنا خرجنا في الأصل لنقيم نشاطاً معيّناً هو موسم الإبداع، و بأنّ المشكلة التي واجهتنا ليست شيئاً هيّناً يحلّ في يومين (في الواقع تجاوزنا الكثير من المشاكل الهيّنة)، بل هي مشكلة النشاط القديمة التي فشل في حلّها كلّ أسلافنا.. طبعاً لو كانوا حلّوها لما واجهتنا نحن.

* التطوّع و التبرّع: إن لم يأت الفعل بمحض إرادة‏ و رغبة الشخص فلا يمكن أن نسمّيه تطوّعاً أو تبرّعاً؛ بل قل تسخيراً و غصباً. و إدارة شئون المتطوّعين و أمول المتبرّعين ينبغي أن تقوم بها جهةٌ غير تلك التي تدير شئون الموظّفين. من منطلق شبيهٍ بهذا كنت أقول أنّ مفهوم الخدمة الوطنيّة الإلزاميّة مفهومٌ فاسدٌ، و أنا على استعدادٍ لإقناع من لا يتّفق معي إن شاء الله. كذلك أقول أنّ الاعتماد على التبرّع مجازفةٌ، و لذلك فلا ينبغي أن تعتمد عليه الحكومة.

* الاعتراف بالواقع: من أكبر ما نعاني منه أنّنا نقيس الأمور على صورةٍ تصوّرناها في خيالنا و لا مكان لها إلاّ خيالنا. تذكّر دائماً أنّ ما أمامك هو الواقع كما هو لا كما تريده أنت .. طبعاً لو كان الواقع مطابقاً لما تريد فما عليك إلاّ أن تستلقي في سريرك و تنام هانئاً مطمئنّاً. إذن فلكي تكون واقعيّاً عليك الاعتراف و التسليم بأنّ الواقع حقيقةٌ موجودةٌ فعلاً – مهما بدا لك متناقضاً و خالياً من المنطق. و بدلاً من التذمّر و الاستغراب تعامل مع الواقع كنقطة انطلاقٍ تبدأ منها و تحاول أن تشكّل الدنيا لتؤول إلى الشكل الذي تريده في المستقبل. هذه هي رسالتك في الدنيا.

* الأيمان بالإرادة: هذا منطقٌ أصيلٌ لدى الشرقيّين يعتقدون أنّ الشخص بعزيمته و قوّة إرادته يستطيع أن يفعل أيّ شيءٍ. أريد أن أذكّر الجميع بأنّ هنالك شيءٌ اسمه الطاقة أو السعة، و بأنّه شيءٌ محدودٌ. أريد أن أذكّر أيضاً بأنّ الشغل يساوي صفراً إذا تعامدت القوّة مع اتّجاه الإزاحة المطلوبة؛ و لا أنسى تلك العبارة في كتاب الفيزياء في المرحلة الثانويّة: ”الشغل لا يعني التعب، فإذا دفعت الحائط بيدك فإنّك تتعب و لكنّك لا تبذل شغلاً،“ أو كما كانت تلك العبارة. و حتىّ لو كنت تستطيع أن تفعل الكثير بقوّة إرادتك فكثيراً ما تكون هناك بدائل أكثر يسراً من حيث الجهد و الوقت و الأعصاب و السلامة. أقول: الإرادة ليست شيئاً مضموناً يعتمد عليه في تخطيط نهجٍ علميٍّ، خاصّةً إرادة الآخرين. و أنا أرى أن يحلّ العقل جزئيّاً محلّ الإرادة و الشجاعة – على مستوى الفرد.

* الاهتمام بالمخصّصات: منطقٌ أصيلٌ لدينا أيضاً أن نجزل في مخصّصات من نرجو منه عملاً كبيراً، و هو مقترن بمنطق الإرادة المذكور، فكأنّما يظنّ الناس أنّ الشخص إذا كان سعيداً بالمال و الراحة كانت لديه إرادةٌ قويّةٌ فأدّى عملاً كبيراً. أقول: الأهمّ عندي من توفير المخصّصات توفير المعدّات و الصلاحيّات التي تعين الشخص على أداء عمله. طبعا ليس هنالك تضاربٌ بين الأسلوبين، لكنّني أتحدّث عن الأولويّة. و منطقي هنا مقترن بالمنطق المذكور في اللجوء إلى القوّة، و هو تربية الناس على أن يكونوا سعداء بعملهم يؤدّونه بإخلاصٍ من دافع أنفسهم.

* تخفيض المطالب: كثيراً ما يفكّر المسئول أنّه لو استجاب لمطالب مَن تحته فسيصبح الأمر فوضي و يأتيه كلّ يوم شخصٌ بمطالب جديدة. و هكذا يطالبهم بالتنازل عن بعض مطالبهم نظير إجابة بقيّة المطالب، أو يرفض مطالبهم جملةً حتىّ لو كانت عادلةً. و من المؤسف أنّ المرؤوسين صاروا يعملون هم أنفسهم بهذا المنطق منذ البداية فيتقدّمون بمطالبهم ناقصةً و مِلؤها التملّق و المراضاة. أقول: «تعوّد أن تقول مطلبك كاملاً كما تريده أنت لا كما تتوقّع أن يعطى لك.» (و قس عليه: «أجب في الامتحان بما تراه صحيحاً لا بما تتوقّع أن يعجب المصحّح.»). على كلٍّ فتجارب الناس أمامي تقول بأنّ التنازل و المراضاة لا يعطيان نتائج جيّدةً. و بالنسبة للمسئولين أكرّر أن مطلبنا هو الحلّ الصحيح و ليس الحلّ السهل، فالفوضى التي تتوقّعها مشكلةٌ يجب حلّها، و لكن ليس بهذه الطريقة.‏

Posted in Arabic, رؤى جديدة | Tagged | Leave a comment

(السرّ الغائب (تابع

بدأنا في المرّة الماضية في سرد بعض صفات الشخص الأكاديميّ و الشخص المدنيّ، و الآن نواصل هذا السرد. لكن قبل ذلك نريد أن نشير إلى فائدتين لسرد هذه الصفات في مقابل الملل الذي قد يجده القارئ في قراءتها:

  • لا أعرف حتىّ الآن طريقةً قياسيّةً لبعث الروح الأكاديميّة و المدنيّة في الشخص. من يدري؛ ربّما كان علينا أن نزرع في الشخص هذه الصفات صفةً صفةً و ننتظر حتىّ ’تُنْفَخَ‘ فيه الروح الأكاديميّة و المدنيّة، كحال الجنين تنفخ فيه الروح بعد فترةٍ من بدء تكوّن جسده! و كما رأيت و ترى فإنّ هذه الصفات مترابطة: وجود إحداها يتبع أو يتبعه وجود أخرى.‏
  • هذه الصفات يمكننا اتّخاذها كمعيارٍ نقيّم به أداء الجامعة، و لذلك لا بدّ من معرفتها.‏

الآن نواصل في سرد صفات الشخص الأكاديميّ و المدنيّ ضمن حديثنا عن رسالة التعليم العالي و الشيء المفقود في هذه الجامعة:

* ترتيب العقل: المعلومات و الأفكار في‏ رأس الشخص الأكاديميّ جيّدة الترتيب يسهل إخراجها كما يسهل ’تشغيلها‘.

* التربية الإداريّة و المؤسّسيّة و النقابيّة: العمل في المؤسّسات و عرض المطالب و حصر القضايا و‏ … الخ كلّها من الجوانب المدنيّة التي (ينبغي أن) يتعلّمها الطالب في الجامعة. و قد عجبت لقول البعض عندما كنّا بصدد رفع مذكّرةٍ لنائب العميد: ”لو شرّط ليكم الورقة دي في وشّكم بتعملوا شنو؟“! لذلك أقول: الاتّحاد و الروابط و الجمعيّات بكلّ أشكالها و اللّجان و العمل السياسيّ و غيرها كلّها ليست فضلاً و إنّما هي جزءٌ ضروريٌّ من الحياة الجامعيّة، و وجود هذه الأشياء بشكل سيئٍ لا يعالج بإيقافها (فهلاّ أوقفنا المحاضرات هي الأخرى!!).

* الروح السياسيّة: الروح المدنيّة تحمل داخلها روحاً سياسيّةً كامنةً يمكن أن تنشط في أيّ وقتٍ.

* مهارة الاتّصال: أوّلاً هنالك لغة تفاهمٍ فعّالةٌ بين كلّ الأكاديميّين بمختلف تخصّصاتهم و بيئاتهم (طبعاً لن نحتاج لأن نتحدّث عن كفاءة اتّصال أهل الاختصاص الواحد). ثانياً يملك الشخص الأكاديميّ القدرة على مخاطبة الناس في كافة المستويات.

* جودة عرض الأفكار: يستطيع الشخص الأكاديميّ عرض معلوماته و ما يدور في رأسه بلغةٍ سليمةٍ، واضحةٍ، دقيقةٍ، و مفهومةٍ للجميع (و هو الأهمّ). ربّما كانت هذه فلسفة الجامعة حين اعتمدت اللّغة العربيّة و الإنجليزيّة كمتطلّبات جامعة، لكن ما هكذا تُورَد الإبل! فلنعد لموضوعنا. أقول: و قد تلاحظ أنّ خريج الجامعة بهذه الطريقة يصلح بإعداد الجامعة الاعتياديّ لأن يدرّس في مراحل التعليم العامّ (تعليماً و ليس تربيةً). غير أنّه يحتاج لإعداد خاصّ ليدرّس في الجامعة (ليس كلّ من يملك الروح الأكاديميّة يقدر على بعثها في من لا يملكها).

* السعة الاستيعابيّة الضخمة: يستطيع الشخص الأكاديميّ أن يفكّر في أشياء و مشاريع كبيرةً جدّاً. و السبب في ذلك ربّما كان قدرته الكبيرة على تنظيم المعومات و الأفكار في رأسه، إضافةً إلى الدوافع الكبيرة مثل روح البحث و غيرها. و مالنا نعدّ برنامج الحاسب من ألف سطرٍ شيئاً كبيراً و الناس تكتب آلاف السطور؟ و مالنا نتعاطى مشاريع التخرّج الهزيلة و المتواضعة و الناس تفعل ما لا يتّسع فهمنا لاستيعابه؟ و مالي أفخر بهذه الوريقات و الناس تؤلّف من الكتب ما نكسل نحن من قراءته؟!

* الأخلاق المدنيّة: كثيرا ما سمعت عبارة تقول: ‏”ذهبت إلى أوروبا فوجدت إسلاماً بغير مسلمين، و جئت إلى بلاد المسلمين فوجدت مسلمين بلا إسلام،“ و لا أعرف نصّ العبارة بالضبط و لا قائلها. غير أنّي أعرف أنّ الأمر ليس غريباً بالنسبة لي، إذ يبدو أنّ رسالة الإسلام في الدنيا هي المدنيّة .. هذا يبعدنا عن الموضوع و يفتح لنا نقاشاتٍ جانبيّةً. ما أردت قوله هو أنّ هنالك كَمٌّ من الأخلاق يتحلّى به الشخص المدنيّ بفكرةٍ قائدةٍ وحيدةٍ هي أنّ سلامته في سلامة المجتمع. و من هنا يمكنك أن تتحدّث عن الضمير المدنيّ مثلاً. كذلك تظهر كلمة ’غلط‘ التي تقابل كلمة ’حرام‘ في الدين؛ مع تذكّر أنّه لا يحرّم إلاّ الله بينما للناّس أن يتعارفوا على ما هو غلط. و إدراك مفهوم الأخلاق المدنيّة (و مفهوم المدنيّة عموماً) يحلّ كميّةً من الجدالات و يجيب على كميّةٍ من التساؤلات لو كانوا يعلمون. و رسالة (جانبيّة) أرسلها من هنا إلى كلّ اليمينيّين: أدعُ إلى المدنيّة في إطار دعوتك إلى الإسلام. *نقطةٌ هامّةٌ* هي أنّ الأخلاق المدنيّة لا تُدرّس بل تورّث للشخص بتأثير الآخرين (هذه هي الحالة العامة، و (قد) توجد استثناءات). كلامٌ هلاميٌّ؟! على كلٍّ فهذا من الأشياء التي تجعل الدراسة الجامعيّة النظاميّة بوجود الطالب في المجتمع الجامعيّ أرفع بكثيرٍ من الدراسة بالانتساب و غير ذلك.

* الأخلاق الأكاديميّة: مثل الأخلاق المدنيّة يمكننا أن نتحدّث عن الأخلاق الأكاديميّة، كاحترام الكتاب و احترام المعلّم، و عن الأخلاق السياسيّة و غيرها. و كلّها مصطلحاتٌ يصعب ضبطها بتعريف.

* النظرة الاجتماعيّة: الشخص الأكاديميّ ينظر إلى المال و الوضع الاجتماعيّ و الطموحات و ما شابهها بطريقةٍ تختلف عن نظرة غيره. و لا أعدّ نفسي شخصاً أكاديميّاً نموذجيّاً لأصف تلك النظرة، لكنّني أعرف أنّها تختلف عن نظرة الآخرين. و الشخص المدنيّ كذلك يملك نظرته الاجتماعيّة التي تميّزه، و يقدر على فرضها في المجتمع. و قد تمتّع الخريجون بوضعٍ اجتماعيٍّ مميّزٍ في هذا البلد لفترةٍ من الزمن، ثمّ هاهم الآن يوشكون على فقده بفضل تردّي نظرتهم الاجتماعيّة من جهةٍ و بفضل ضعفهم في فرض نظرتهم من الجهة الأخرى، فهل نحن عاملون على استعادة هذا الوضع؟

* النظرة الاقتصاديّة: يستطيع الخريج تقييم الأشياء المتباينة في طبيعتها من زمنٍ و مالٍ و عملٍ و غيرها، و يستطيع أن يوازن بينها.

* الإيجابيّة و توطين النفس: الشخص الأكاديميّ ليس إمّعةً ينجرف وراء الأشياء، بل لديه رأيه و فلسفته التي تقوده. و الشخص المدنيّ إيجابيٌّ يدرك ما حوله و يشارك فيه على الأقلّ بوعيه.

* القدرة على التنقّل: وجود الروح الأكاديميّة هو الأساس إذ يمكن بعد ذلك أن يتنقّل الشخص الأكاديميّ داخل و خارج مجال اختصاصه، و لا شيء يقيّده إلاّ إمكاناته و طموحه (و ظروفه!). و قد تشعر في بعض الأحيان أنّ التنقّل هو صفة الشخص الأكاديميّ لا القدرة على التنقّل.

* حُسن الاستغلال: يستطيع الشخص الأكاديميّ أن يستخرج خلاصة الأشياء و أقصى ما يمكن أن يستفيد منها. فقد تجد شخصين شاهَدا نفس الفيلم مثلاً أحدّهما نظر إليه كإثارةٍ و متعةٍ و الآخر استفاد العبرة و استخرج عدداً من الأمثلة ليضربها في مقامٍ آخر. بهذه الطريقة يضاعف الشخص الأكاديميّ تجاربه لدرجةٍ قد يستغربها الناس.

* القدرة على التمثيل و التعميم: المعلومات في رأس الشخص الأكاديميّ ليست جامدةً بل تتجدّد و تدخل في كلّ جوانب عمله و حياته، و قد يستفيد في أحد العلوم من معلومةٍ عرفها في علم آخر، أو يضرب المثل بهذه المعلومة في نقاشٍ ما. و من هنا فأنا استحسن فكرة وجود علومٍ نظريّةٍ مجرّدةٍ الغرض منها تفتيح الذهن و تنمية القدرة على التحليل و التمثيل، و لسبب كهذا نصحت بتعلّم برمجة الحاسب في رسالتي للبرالمة.

* التصرّف و الإبداع: لا يقف الشخص الأكاديميّ عاجزاً إن لم يجد ما يريد بل يشرع في التفكير في بدائل. و كذلك الشخص المدنيّ لا يستسلم. هذه الصفة منعدمةٌ عندنا في السودان لدرجةٍ مخزيةٍ، و هنا أقول: «أرفض أن أنظر إلى الدنيا كسردابٍ طويلٍ يمشي فيه الغربيّون في المقدّمة و نمشي نحن في الآخر. أرفض جملةً عبارةً مثل: ”اللّحاق بركب التقدّم.“ أرفض كذلك الفهم القائل بأنّ الحديث (زمانيّا) أكثر تحضّراً من القديم، و أرفض العكس أيضاً!» و من المخجل كذلك النكوص الذي نراه عندنا حين تقابلنا مشكلةٌ فنبدأ في اجترار الماضي و التقهقر فيه. أقول: و هذا الكلام حمّال أوجه، فأرجو أن تكون فهمته كما أعنيه.

* القدرة على اتّخاذ قرار: قلّة الخطوط الحمراء و ترتيب الأفكار يجعلان الشخص الأكاديميّ قادراً على اتّخاذ قراراتٍ راشدةٍ في أيّ مساحةٍ زمنيّةٍ، و كلّما اتّسعت هذا المساحة كان القرار أكثر رجاحة إلاّ إن وصل إلى أرجح قرارٍ أو استنفذ سعته الاستيعابيّة. هذا بخلاف الشخص غير الأكاديميّ الذي كثيراً ما يدخل في متاهاتٍ لا نهائيّةٍ من التفكير نتيجة لعدم ترتيب العقل، و كذلك ينتهي كثيراً إلى طرقٍ مسدودةٍ نتيجة لكثرة الثوابت عنده و تناقضها فيضطرّ للتقهقر بأفكاره و الدخول في ممرٍّ جديدٍ من التفكير؛ و كلّ ذلك محسوبٌ من زمن القرار، لذلك تخرج قراراته بمستوىً من الرجاحة أقلّ من قرارات الأكاديميّ الذي أخذ نفس الوقت. كذلك يملك الشخص الأكاديميّ شجاعةً أكبر في اتّخاذ قرارٍ نتيجةً لثقته في الثوابت و الخطوات و المنهج التي بنى عليها قراره.

* مشاعر الشخص الأكاديميّ: كثيرا ما يتّهم الناس الأكاديميّين بتحجّر المشاعر و بأنّهم يسندون للعقل ما ينبغي أن يسند للقلب،‏ و يقولون: ”العواطف و المشاعر لا تحسب بالعقل.“ أقول: عبارةٌ كهذه أجدر بأن يقولها الأكاديميّون أنفسهم، و إلاّ فهي جديرةٌ بالإنكار. على كلّ فتحجّر المشاعر مثله مثل الفوضى و الـ’هترشة‘ و الـ’بشتنة‘ كلّها صفاتٌ لحقت بالأكاديميّين و يصعب نفيُها عنهم، رغم إيماني التامّ بأنّهم بريئون منها و أن اتّصفوا بها جميعاً .. عبارةٌ تثير الجدل!!

الآن نصل إلى نهاية هذا السرد لما أذكره ممّا أعرفه من صفات الشخص الأكاديميّ و المدنيّ، و نلتقي في موضوعٍ جديدٍ في المرّة القادمة إن شاء الله. على أنّ الموضوع الأهمّ و الأصعب و الذي أتمنّى أن أسمع فيه هو كيفيّة بعث الروح الأكاديميّة و المدنيّة في من لا يملكها.

Posted in Arabic, رؤى جديدة | Tagged | Leave a comment

!السرّ الغائب

ما هو الفرق بين التعليم العالي و التعليم العامّ؟ هل الفكرة في أنّ الموادّ أصعب؟ في التخصّص؟ أسئلةٌ كهذه كثيراً ما داخلت أذهاننا في مراحل التعليم العامّ: ما سرّ هذا التقسيم: ابتدائي، عامّ، عالي، ثمّ جامعة! لم يكن الوصول إلى إجابةٍ يحرّقنا كثيراً، إذ كنّا نثق في أنّ لديهم مقصداً من كلّ هذا (اتّضح أنّ المقصد في رأي كلّ واحدٍ من أهل الاختصاص يختلف عنه في رأي الآخر، و ما كلّ هذه التغييرات في السلّم التعليميّ إلاّ شاهدٌ على ذلك. لكن ليس هذا محلّ حديثنا الآن).

الآن صارت الإجابة على هذا السؤال مطلباً ذهبيّاً، إذ مهما ضربت ظهورنا في مراحل التعليم العامّ ما راودتنا فكرة ترك الدراسة كما كان في هذه الجامعة: كان يحدونا الأمل و الآن يحدونا الفشل و الملل. ”هذا كلام شخصيّ لا يصلح للتعميم.“ اعتراضٌ مقبولٌ، لكنّ هنالك سببٌ آخر أهمّ و أكثر موضوعيّة، و هو أنّ سنين التعليم العامّ تقع في عمر التلقّي بالنسبة للشخص، أمّا سنين التعليم العالي فمقتطعةٌ من (أهمّ) سنوات الإنتاج من عمر الشابّ، و لذلك لابدّ من وجود ميزةٍ كبيرةٍ في الجامعة في مقابل ذلك. ظننت أنّني أعرف هذه الميزة، و ظننت أنّها تستحقّ أكثر من ذلك (اقرأ ما يلي و احكم بنفسك)، و ظننت كذلك أنّها غير موجودةٍ في هذا المكان الذي ندرس فيه (ما رأيك أنت؟). و ظننت فوق كلّ هذا أنّني بهذا السؤال أمسكت بعصب المشكلة، إذ أنّ التباين الكبير في إجابات الناس على هذا السؤال كان هو مصدر تباين كثيرٍ من أفكارهم، و هو نفسه الذي جعل بعض الناس ينظر إلى رسالتي للبرالمة المنشورة مؤخّراً على أنّها ردّ فعلٍ لإحباطٍ عرضيٍ أو شيءٌ مشابهٌ (و أنا أعتذر للجميع). لهذا السبب ظننت أنّ هذه الورقة المعلّقة أمامك من أهمّ ما نشرت، فهل أنت مستعدٌّ لتقرأ إجابتي على هذا السؤال؟ بسم الله:

السمة المميّزة للتعليم العالي هي التربية الأكاديميّة (بعث الـ’روح‘ الأكاديميّة) و التربية المدنيّة (بعث الروح المدنيّة). هذه هي فكرتي عن الجامعة، و فيما عدا ذلك فهي لا تستحقّ هذه السنوات الغالية، إذ كان الأجدر بك أن تدرس بالانتساب أو تقرأ في معهدٍ حرفيٍ، أو أن تنسى الأمر كليّةً؛ أمّا عن الشهادة فقد تعلّمت أنّ المفاهيم الاجتماعيّة هنا ليست ذلك الشيء المريع الذي لا يستطيع أحدٌ الوقوف في وجهه! و الروح الأكاديميّة و المدنيّة يصعب وصفهما و لكن يدرك معناهما من أحسّ بوجودهما، و من هنا جاء اختيار كلمة ’روح‘. و الشخص ذو الروح الأكاديميّة و المدنيّة يتّصف بصفاتٍ كثيرةٍ نذكر بعضاً منها:

* المنهجيّة ‏(و نقيضها الارتجاليّة): يتعامل الشخص الأكاديميّ مع كلّ مسائل الحياة بصورةٍ علميّةٍ و مخطّطةٍ في خطواتٍ واضحةٍ. و يقابل المنهجيّة عند الشخص المدنيّ صفة الموضوعيّة المعروفة لدى الناس، فالشخص المنهجيّ يخطّط الأمور بأسلوبٍ أكاديميٍّ، و الشخص الموضوعيّ يستطيع أن يستوعب ذلك. قد يبدو لك هذا الكلام كقول أحدهم:‏

كأنّنا و الماء من حولنا قومٌ جلوسٌ حولهم ماء!

و السبب في ذلك هو افتقاري – و ربما افتقار الجميع – لمفرداتٍ دقيقةٍ تصف هذه المعاني المحسوسة. أنا أحسّ بمعنى ما أقول، و أعتمد على إحساس القارئ به إن خذلني التعبير. أﮪ.

* روح البحث‏: لا يقنع الشخص الأكاديميّ بشيءٍ لم يفهمه بل يسعى للإحاطة به، و ليس لديه خطوطٌ حمراء أو ثوابت لا يجوز أن تناقش أوجدها له المجتمع. قد يضع هو ثوابت مبدئيّةً أو خطوطاً حمراء للأشياء التي لا ينوي مناقشتها في الوقت الراهن. من هنا قد تجد أنّ فكرة حفظ المعادلات و النظريّات هكذا كما هي ليست فكرةً مرفوضةً جملةً، و لكنّها غير محبّذةٍ. و الجدير بالقول أنّ روح البحث أصيلةٌ عند الشخص الأكاديميّ، فهو لا يحتاج إلى تكليف ليبحث. بالمناسبة، لا أظنّه فات عليك ظهور كلمة روحٍ من جديد: روحٌ داخل روحٍ! و لو كانت خلفيّاتك في برمجة الحاسب جيّدةً لربّما وجدت في مفهوم الكائنات ‏Objects‏ تقريباً جيّداً للفكرة.‏

* روح المسئوليّة‏: لعلّه واضحٌ بالنسبة لك معنى روح المسئوليّة، و لعلّه واضحٌ بالنسبة لك أنّ الجامعة بشكلها الحاليّ قتلت فينا هذه الصفة فضلاً عن أن تنمّيها.‏

* وضوح الرؤية: الشخص الأكاديميّ يرى بوضوح المكان الذي يقف فيه و الهدف الذي يقصده و المسار الذي سيتبعه في كلّ مسألةٍ أمامه (و هو يتعامل مع الحياة كسلسلةٍ من المسائل). و الشخص المدنيّ يعرف أهدافه و رسالته في الحياة (يرى مستقبله!)، و يملك الحسّ الجيّد الذي يصحّح به مساره نحو هذه الأهداف. و مما يجدر بالذكر أن وضوح الأهداف مقتلٌ بالنسبة للعقل الأكاديميّ (و يبدو أنّنا أصبنا فيه)، لأنّه لا يمكنه التوقّف عن التفكير، فإذا لم يتّضح الهدف دخل العقل في متاهاتٍ لا نهائيّة من التفكير قد تؤدّي في النهاية إلى احتراقه؛ هذا ما انتهى إليه الكثيرون.‏

* الإحاطة بمجال الاختصاص‏: التربية الأكاديميّة تقدّم للطالب من خلال مثالٍ محدّدٍ نسمّيه مجال الاختصاص. و غالبا ما يكون مجال الاختصاص مجالاً عمليّاً يحدّد مجال عمل الطالب في المستقبل (كما في حالة كلّيّة الهندسة)، غير أن مجال الاختصاص يمكن أن يكون مجالاً نظريّاً. و من هنا قد تلاحظ أنّ خرّيج الجامعة ينبغي أن يجد مكاناً في الحياة المدنيّة حتّى لو لم يتخصّص في مجالٍ عمليٍّ، لذلك قرنّا التربية الأكاديميّة بالتربية المدنيّة في بداية حديثنا. و من السخيف (في رأيي) أن تسمع عبارات مثل: ”دي حاجات ما مفروض تعرفها إنت دا شغل الفنّي (الممرّض)!“ خاصّة و أنّ هذه الأشياء كثيراً ما تكون يسيرة التعلّم – إذا استثنينا هذا الغرور الزائف. و إنّ من المخجل أن تجد خريج الهندسة الكهربائية (على سبيل المثال) لا يعرف كيف يستخدم الكاوية! على كلّ فأنت الآن ترى أنّ الإحاطة بمجال الاختصاص صفةٌ ينبغي أن يتّفق فيها الأكاديميّ و غير الأكاديميّ، و الاختلاف يكون في الصفة التالية.‏

* الـ‏’إحساس‘ بمجال الاختصاص: ها نحن ندخل من جديدٍ أحد تلك المفاهيم التي يصعب شرحها بالكلمات و إنّما يحسّ بمعناها الشخص، لكن فلنقل: كلمة ’إحساس‘ كما نستخدمها هنا تصف ما يشبه شعور الشخص و هو في ’وطنه‘ أو يتحدّث لغته الأمّ. إذن فالشخص الأكاديميّ يعيش مجال اختصاصه و ’يتحدّثه‘ و يحبّه و يشعر بالإلف الشديد فيه. و بعد، هل تحسّ بمجال اختصاصك؟ هذا هو أحد مآخذنا على هذه الجامعة (الكلّيّة).‏

الآن أراك طال وقوفك أما البورد و بدأت تشعر بالملل، لذلك أستأذنك في أن نقف هنا و نعود لنكمل في الأيّام المقبلة إن شاء الله.‏

Posted in Arabic, رؤى جديدة | Tagged | Leave a comment

الجمعيّات المتخصّصة

الهدف العامّ للجمعيّات هو إثراء النشاط في هذه الكلّيّة. نريد الآن أن نتحدّث عن أنواعٍ معيّنةٍ من الجمعيّات لأهمّيّتها؛ جديرٌ بالقول أنّ جمعيّةً واحدةً يمكن أن تجمع أكثر من نشاطٍ ممّا تقوم به الجمعيات المذكورة:

* الجمعيّات التأهيليّة: مهمّة هذه الجمعيّات هي تخريج جمعيّاتٍ جديدةٍ إضافةً إلى شرح نشاط الجمعيّات. يمكن أن تعمل هذه الجمعيّات بأكثر من طريقةٍ: الطريقة الأولى هي الشرح التفصيليّ لمناشط يمكن أن تقوم بها جمعيّة، إضافة إلى تفصيل مواصفات أعضاء هذه الجمعيّة؛ و من يناسبهم هذا الوصف ينشئون الجمعيّة. الطريقة الثانية هي إعطاء عضويّةٍ مؤقّتةٍ و محدّدةٍ لبعض الزملاء فيتدرّبون على النشاطات التي تمارسها الجمعيّة لينشئوا بعد ذلك جمعّيةً تمارس نفس النشاطات. الطريقة الثالثة بالمقابل هي أن تختار الجمعيّة التأهيليّة منشطاً تشرع فيه حتىّ تتضح ملامحه، ثمّ تسلّمه بعد ذلك لجمعيّةٍ جديدةٍ ناشئةٍ، و تنتقل الجمعيّة التأهيليّة إلى منشطٍ آخر. هذه الطريقة تحتاج لأعضاء ذوي كفاءةٍ عاليةٍ.‏

* جمعيّات النقد و المعارضة: الأصل في تطوير و تحسين نشاط الجمعيّات هو المنافسة، لكن قد توجد جمعيّةٌ منفردةٌ في نشاطٍ معيّنٍ، و حينئذٍ يكون النقد هو الأساس. جمعيّات النقد و المعارضة مهمّتها نقد أداء الجمعيّات بهدف تحسينه، و يكون ذلك بطريقتين: الطريقة الأولى هي النقد المباشر كتابةً أو قولاً أو كما ترى الجمعيّة. أمّا الطريقة الثانية فتحتاج لأعضاءٍ عالي الكفاءة؛ و فكرتها هي أن تدخل الجمعيّة الناقدة كمنافسٍ لأيّ جمعيّةٍ قاصرة الأداء بسبب غياب المنافسة، فإن تحسّن أداء هذه الجمعيّة تنسحب الجمعيّة الناقدة، و إن فشلت الجمعيّة المنتقدة في المنافسة تسلّم الجمعيّة الناقدة النشاط – بعد أن اتّضحت ملامحه – لجمعيّةٍ ناشئةٍ كما تفعل الجمعيّات التأهيليّة، أو لنفس الجمعيّة المنتقدة.‏

* الجمعيّات الأكاديميّة‏: محور نشاط هذه الجمعيّات هو تنفيذ مشاريع و تقديم سمناراتٍ متعلّقةٍ بمجال دراسة أعضاء الجمعيّة؛ و ينبغي التمييز بينها و بين جمعيّات النقد الأكاديميّ أو الجمعيّات الثقافيّة. ميزة الجمعيّات الأكاديميّة هي أنّ نشاطها يمكن أن يستوعب عدداً كبيراً من الطلاّب. شكل المشاريع يمكن أن يكون شبيهاً بمشاريع التخرّج، و لذلك تعود بفائدةٍ مباشرةٍ على الأعضاء.‏

* الجمعيّات الخدميّة‏: هذا شكلٌ مشهورٌ لنشاط الجمعيّات: نظافة و تعمير الكلّيّة إضافةً لتوفير الخدمات التي تحتاجها جمعيّاتٍ أخرى. الإضافة التي نريدها في هذه الجمعيّات هي أن تضع أعرافاً و ضوابط و معايير للنشاطات التي تؤدّيها.‏

* جمعيّات الاتّصال و التنسيق: مهمّة هذه الجمعيّات هي تيسير الاتّصال بين الجمعيّات المتعاصرة و غير المتعاصرة، التنسيق بين الجمعيّات ذات الأنشطة المشتركة، ربط الجمعيّات بالطلاّب و بالجهات الأخرى، شرح فكرة و نشاط الجمعيّات، … الخ. هذه الجمعيّات يمكن أن تتطوّر لتدير نشاط الجمعيّات، كما يمكن أن تتطوّر أكثر من ذلك لتدير مجتمع الكلّيّة كلّه و تسدّ بذلك خانة ’الأسرة‘ التي يطالب بها الكثيرون.

* جمعيّات الفكر و السياسة: تقوم هذه الجمعيّات على رؤيةٍ فكريّةٍ أو سياسيّةٍ موحّدةٍ لدى أعضائها، و تصلح لأن تكون نواةً لتنظيمٍ ينشأ في المستقبل.‏

* جمعيّاتٌ خاصةٌ بالطالبات؟ لا أستطيع أن أرى الآن ضرورةً لوجود مثل هذه الجمعيّات، لكن أشير إلى إمكانيّة نشوئها إن ظهرت الحاجة لها.

Posted in Arabic, رؤى جديدة | Tagged | Leave a comment

الجمعيّات: بعض التفاصيل

* شرعيّة الجمعيّات: لمّا كان الحديث عن الشرعيّة أحد مداخل الفشل و الملل في العمل العامّ فلا بدّ أن نقف عنده. نشاط الجمعيّات في أصله نشاطٌ اختياريٌّ لا يُلزم إلاّ من التزم. لهذا السبب تكتسب الجمعيّات شرعيّتها من قبول و مباركة الرأي العامّ. مثلاً لن تتحدّث جمعيّةٌ ما باسم الطلاّب ما لم تكن واثقةً من قبولهم لذلك، و إلاّ فإنّها تفتح على نفسها باباً للنقد و الهجوم قد يفقدها شعبيّتها و ثقة الناس فيها التي هي أساس قوّتها. كذلك لن تغلط جمعيّةٌ ما غلطةً كهذه في وجود جمعيّاتٍ منافسةٍ لها. و مادمنا تحدّثنا عن شرعيّة الجمعيّات فلننتقل مباشرةً إلى هذه النقطة:

* ضبط نشاط الجمعيّات‏: مع ازدياد عدد الجمعيّات فإنّ الجمعيّات ذات المصالح المشتركة قد تميل إلى التحالف و التكتّل في أجسامٍ تدافع عنها أوّلاً ضدّ الأخطاء و الأهواء ثمّ ثانياً ضدّ الأخطار الأخرى مثل تسلّل السياسة و غيره. كذلك تخدم هذه الأجسام في تحقيق المصالح التي تحتاج إلى دعمٍ عدديٍّ كبيرٍ. الشيء المهمّ عند تكوين هذه الأحلاف هو وضع دستورٍ واضحٍ للحلف؛ و من ضمن ما يكتب صراحةً في هذا الدستور وضع الجمعيّة التي لا تلتزم بأحد بنوده. و قد يظهر كذلك مجلس أعلى لضبط و تنظيم نشاط الجمعيّات و حماية حقوقها الأدبيّة … الخ. و كلّ جمعيّةٍ تخرج على هذا المجلس تفقد حقّها في الامتيازات التي يقدّمها.

* الحصيلة السنويّة‏: تقوم كلّ جمعيّةٍ بكتابة ما خرجت به خلال العامّ في شكل تقريرٍ مفصّلٍ، كتابٍ، أو غير ذلك حسب نشاط الجمعيّة. و توضع نسخةٌ من الحصيلة السنويّة في مكانٍ يستطيع أن يصل إليه من يمكن أن يستفيد منها حاليّاً أو في الأجيال القادمة. و بينما تكون الحصيلة السنويّة محدودة الفائدة عند بعض الجمعيّات فإنّها قد تكون ذات أهمّيّةٍ بالغةٍ عند جمعيّاتٍ أخرى، خصوصاً تلك التي تكون دراسة أحد جوانب المجتمع جزءً من نشاطها.

* المذكّرات و التقارير الموقوفة‏: أحيانا تنتهي الجمعيّة عن نشر شيءٍ ما لسببٍ أو آخر: الوضع السياسيّ، الوضع الاجتماعيّ، الخوف من سوء الفهم … الخ. في هذه الأحوال قد يكون من المفيد كتابة هذه الأشياء تماماً كما لو كانت ستنشر ثمّ الاحتفاظ بها مع تاريخ كتابتها ضمن وثائق الجمعيّة، و قد يفيد كذلك تضمين سبب الانتهاء عن النشر.مثل هذه الوثائق قد تصبح ذات أهميّةٍ كبيرةٍ في المستقبل؛ على الأقلّ سيستفيد منها من يريد أن يؤرّخ لتلك الفترة. و قد تلاحظ قفزةً في ترقيم إصدارات جمعيّةٍ ما (رقم العدد) دلالةً على أنّ أحد الأعداد قد صُرف النظر عن نشره.

* مسئوليّة النشر‏: لا نقصد بالمسئوليّة هنا المسئوليّة أمام المحاسبة السياسيّة أو الإداريّة و إنّما نقصد بها المسئوليّة الأدبيّة عن ما تنشره الجمعيّة. مبدئيّاً يمكن أن نقول: «الجمعيّة مسئولةٌ عن كلّ ما تنشره ما لم تنسب مسئوليّته صراحةً إلى جهةٍ أخرى.»‏

* الجمعيّات و التنظيمات السياسيّة‏: نعاني كثيراً من تدخّل السياسيّين في الأشياء و إفسادها. نموذج الجمعيّات الذي لدينا قد يكون سليماً من ’تغويص‘ الكوادر السياسيّة لأنّ كلّ جمعيّةٍ تقوم على توافق تامّ بين أعضائها، و عضويّتها مقفولةٌ. غير أنّ خطورة السياسة قد تأتي من أن يتبنّى أحد التنظيمات الفكرة و يخرجها بشكلٍ سيئ. على كلٍّ فهذا مستبعدٌ لأنّ هذه التنظيمات تترفّع عادةً عن الأخذ بفكرةٍ شخص مفردٍ من خارجها، لكن حتّى لو حدث هذا فإنّ نموذج الجمعيّات قائمٌ على المنافسة و لا سبيل فيه للاحتكار إلاّ بالتفوّق. فإن قدّم أحد التنظيمات جمعيّاتٍ استطاعت أن تقدّم الأفضل فهي جديرةٌ بالبقاء لا يعيبها انتماؤها، و إن فشلت في تقديم الجيّد فمصيرها الفناء و لن يشفع لها تنظيمها. جديرٌ بالقول أنّ احتكار الأسماء واردٌ إن بادرت به التنظيمات. أقول: و ستجد جمعيّةٌ ما قدراً من الخبرة و الإثارة و هي تتنافس مع حزبٍ سياسيٍّ أو تنظيمٍ ضخمٍ.

Posted in Arabic, رؤى جديدة | Tagged | Leave a comment

تذكرة! – العدد الأوّل

العدد الأوّل 18\12\2000     تصدرها جمعيّة 964034     بقلم: عبد الله جعفر‏

مضى علينا ثلاثة أعوامٍ دراسيّةٍ في هذه الجامعة و نحن ننتظر أن يتحسّن أسلوب التّحصيل و التّقييم فيها، لكن بلا طائل، فقد جرّبنا كلّ الأساتذة تقريباً. و قد قال أحد المميّزين أكاديميّا عندنا: ”ما مرّ علينا امتحانٌ في هذه الجامعة يميّز الطّالب القارئ الفاهم من الطّالب غير ذلك؛“ و أنا أشهد بأنّه ما مرّ عليّ امتحانٌ استطاع أن يختبر فهمي و استعدادي بصورةٍ وافيةٍ، فالدّرجات التي تفقدها بسبب عدم الاستعداد تفقد أكثر منها بسبب ضيق وقت الامتحان أو التّضليل المتعمّد أو التّصحيح السّيئ أو عدم الاكتراث أو أسبابٍ أخرى مشابهةٍ. هذا ما يدفع الشّخص لأن يكون غير مبالٍ للامتحان يقرأ له في الـ ’قاب‘ و ’يبيع‘ جزءً من المادّة نظير ما يضيع بسبب ضيق الزّمن.‏

أنا لا ألوم هذه الكلّيّة على ضعف إمكانيّاتها، فهذه (مع التّحفّظ) ظروفنا و سعتنا، و لكنّني لا أغفر لها أبداً عدم الاكتراث اللاّمتناهي الذي تعيش فيه؛ ذاك الذي بات يصطدم به طالبٌ في أوّل أيّامه في الجامعة ليقول المجلس الموقّر بعد ذلك: ”دعه يجرّب الرسوب لكي يتأدّب و يتّعظ.“ و لا أطلب من هذه الكلّيّة أن تعيد النّظر في فكرة الامتحانات من أصلها فأنا أعلم أنّ هذا فوق طاقتها و أكبر من استيعابها، لكنّني أطلب منهم الرّجوع إلى هدفهم من هذه الامتحانات لعلّهم يغيّرون طريقتهم هذه.‏

ربّ قائل الآن: ”يبدو أنّ أداءه كان سيّئاً في امتحانات هذا الفصل فأصبح يقول كلامه هذا.“ طبعاً كان أدائي سيّئاً، فهذه لا تحتاج إلى ذكاءٍ لتستنتجها، لكن ليس هذا ما جعلني أقول كلامي هذا؛ لميكن سوى موقِّتٍ جعل هذا الكلام يخرج في هذه الورقة بعد طول انتظارٍ؛ جديرٌ بالقول أنّني كنت و لازلت من المستفيدين بالمفهوم الضّيق (المتضرّرين بالمعنى العريض) من هذا الوضع، و إنّما أذمّه لأنّه سيّئ. أمّا القول الأكثر قبولاً عندي فهو سؤال السّائل: ”ما الفائدة من هذا الكلام؟“ هنالك أكثر من مقصدٍ من هذه الورقة أوجزها في ما يلي:‏

  • محاولة حلّ المشكلة‏: لتعلم أنني لن أتردّد لو علمت في ذلك فائدةً أن أرفع محتوى هذه الورقة أو ما يشبهه إلى أيّة جهةٍ في هذه الكلّيّة؛ غير أنّي أوجّهها للطّلاب لأستحثّ أفكارهم.‏
  • إدخال و ترسيخ أدب التّعبير و الاحتجاج‏: أنا أعرف أنّك قد تضطرّ إلى الصّبر على وضع ما، و لكنّك لست مضطرّاً إلى مباركته بإظهار الرّضا أو إخفاء الاحتجاج. و لعلّ إظهار الاحتجاج هو الخطوة الأولى في الإصلاح.‏
  • التّوصية بقيام جمعيّاتٍ تهدف إلى نقد النّظام الأكاديميّ و إصلاحه في هذه الكلّيّة أو في هذه الجامعة أو حتّى في هذا البلد؛ و ستضع ’964034‘ هذا المهمّة ضمن أعبائها، لكنّها لم تحدّد بعد الإطار الذي ستعمل فيه.‏
  • وأخيراً يأتي القصد البديهيّ و هو التنفيس عن النفوس تفادياً للانفعالات و التمرّد و الاضطرابات النّفسيّة؛ و لا تظنّنّ أنّني أمزح في هذه الأسماء.
Posted in 964034, Arabic | Tagged | Leave a comment

دعوةٌ عامّة

إذن فالعجلة تدور ببطء.. أبطأ.. أبطأ.. أبطأ.. و ما يمنعها من التوقّف إلاّ أنّ كلّ شخصٍ لا يريد أن يتوقّف قبل الآخرين فيكونَ أوّل المتخاذلين. فما رأيك إن قلت لك أنّ هذا الوضع يجعلني أشعر بالتفاؤل؟! نعم؛ فهذه العجلة تحتاج لصيانةٍ شاملةٍ؛ بل لإعادة بناء ..

ها أنت تري كلّ شيءٍ أمامك ينهار: كلّ المؤسّسات؛ كلّ البنيات التحتيّة؛ كلّ المبادئ؛ كلّ الآمال. ها أنت ترى كلّ أولئك الذين اعتمدت عليهم في التعليم و التربية و السياسة و إصلاح المجتمع تراهم يقفون عاجزين حائرين مكابرين لا يريدون أن يعترفوا بفشلهم. هاهي التنظيمات السياسيّة تسقط عنها الستر تباعاً ليرى الناس عياناً ما تحويه من ضعف و تناقض و إفلاس و فشل: هوانٌ يخجل القلم من كتابته. كلّ من كنت تظنّه بطلاً (إلاّ من رحم ربّك) تكتشف عندما تقف أمامه أنّه مجرّد دميةٍ متقنة الصنع. فشلٌ كاملٌ في كلّ شيءٍ في هذا البلد. و الوضع يسير للأسوأ، رغم إرادة الإصلاح المكبوتة في النفوس. و الناس تسير في طريقٍ تعلم أنّه مسدودٌ؛ نعم، فقد رأينا ذلك بعيوننا. لا يستطيع أحدٌ الآن أن يلوم آخر، و هذه هي المشكلة الأكبر خطورةً.

هذا الوضع كلّه ينبئ باقتراب انقلابٍ اجتماعيٍّ شاملٍ في هذا البلد؛ ما أسمّيه الثورة؛ تلك التي يُراجَع فيها كلّ شيءٍ: كلّ شيءٍ، و يعاد فيها بناء السودان من الأرض. و أنا الآن أدعوك أخي القارئ لتخطّ اسمك على صفحات التاريخ، بالحبر الأسود أو بالحبر السرّيّ؛ بأيّهما تختار.كلّ الخانات أمامك خاليةٌ: يمكنك أن تكون قائد الثورة أو أحد روّادها أو أحد مفكّريها أو أحد كتّابها أو شعرائها أو خطبائها، و يمكنك أن تكتفي بأن تكون أحد الثوّار (فبقلبه و ذلك أضعف الإيمان). ثق في نفسك و لا تغرّنّك المظاهر الخدّاعة، و لا تستوقفنّك البطولات الزائفة.

هل أضحكك هذا الكلام؟ لا بأس؛ على كلٍّ فأنا لا أمزح، و سأكون أوّل العاملين إن شاء الله. و ربّما كنت بهذه الورقة أوّل دعاة الثورة. الآن أطلب منك طلباً صغيراً أخي القارئ، و هو أن تنقل محتوى هذه الورقة، بنصّه أو بمعناه، إلى أكبر عددٍ ممن تعرف. و الله الموفق.‏

Posted in Arabic | Tagged | 4 Comments

مشكلة الوقت

الآن تظهر مشكلةٌ هامّةٌ جدّاً، و هي: ”أمامي الكثير لأنجزه، و لكنّي لا أجد الوقت الكافي لذلك.“ هذه هي المشكلة التي كثيراً ما وقف الكثيرون أمامها عاجزين، بمن فيهم كاتب هذه الورقة.الآن أعرض لبعض الحلول التقليديّة و أعلّق عليها ثمّ أتحدّث بعد ذلك عن بعض الطرق الفعّالة جدّاً و المهملة كثيراً:

* النظام كسبٌ للوقت: كثيراً ما يعود الوقت المنفق على تنظيم العمل بتقليل الوقت الإجماليّ للعمل، هذا بالإضافة إلى امتيازه بتجويد العمل. يظهر هذا بصورةٍ جليّةٍ عندما يكون أمامك أكثر من عملٍ لتنجزه في نفس الوقت. هذه النقطة ينبغي الالتزام بها كقاعدةٍ عامّةٍ.

* الراحة كسبٌ للوقت: ينطبق هنا نفس ما قيل في النقطة السابقة، فالعمل مع الإرهاق قليل الكفاءة كثير الأخطاء، و الوقت المضاع في معالجة هذه الأخطاء قد يكون أكبر من الوقت المنفق على الراحة. على كلّ فالاستثناء هنا أكثر منه في النقطة السابقة.

* التمرين و زيادة سرعة الأطراف: كذلك قد يكون الوقت المنفق على التمرين كسباً في الوقت الإجماليّ للعمل. و يمتاز فضلاً عن سابقَيه بامتداده إلى الأعمال التي قد تلي؛ فبينما تحتاج لأن تنظّم كلّ عمل و أن ترتاح لكلّ عملٍ فإنّك لن تحتاج لأن تتدرّب على شيءٍ ما أكثر من مرّةٍ واحدةٍ. و كلّنا قد يعرف أن سرعة الكتابة و القراءة كسبٌ في وقت الطالب، جودة الخطّ كسبٌ في وقت القارئ و بالتالي وقت الكاتب (كيف؟)، سرعة الطباعة كسبٌ في وقت المبرمج، جودة الخطابة كسبٌ في وقت المتحدّث، إلى غيرها من الأمثلة. و الخلاصة هي: ينبغي الالتزام بهذه النقطة كقاعدةٍ عامّةٍ.

* تحسين أدوات العمل: ربّما كانت الأدوات التي تستخدمها غير جيّدةٍ أو غير مناسبةٍ. قد يكون الوقت المضاع في التعامل مع أدوات غير جيّدةٍ و في إصلاح الأخطاء الناتجة عن استخدامها أغلى من ثمن أدواتٍ جديدةٍ جيّدةٍ. لا تلجأ لهذا الحلّ إلاّ مضطرّاً و بعد أن تتأكّد من أنّ الأدوات التي تستخدمها هي حقّاً ليست جيّدةً.

* العمل في مجموعة: ربّما كان العمل أكبر من وسع شخصٍ واحدٍ. إن كانت هذه هي الحالة فإنّ الوقت المنفق على إقناع الآخرين بالعمل معك قد يكون كسباً في الوقت الإجماليّ للعمل. لا تلجأ لهذا الحلّ إلاّ مضطرّاً و بعد أن تتأكّد من أنّ العمل فعلاً أكبر من وسعك. و التحذير هنا أكبر منه في النقطة السابقة، لأنّ استخدام الأدوات الجيّدة حتماً سيكون في صالح العمل حتىّ لو لم يكن ضروريّاً، أمّا الاستعانة بعددٍ من الناس أكبر مما يتطلّبه العمل فإنّها كثيراً ما تكون في ضرر العمل و تزيد الوقت اللاّزم لإنجازه: تذكّر أن هنالك وقتٌ يحتاجه تنظيم الناس يزيد بزيادة عددهم.‏

هذه الطرق كلّها معروفة، و قد تبدو سهلةً لأنّ تطبيقها مباشرٌ لا يحتاج إلى تثبيت مفاهيم جديدة، لكنّها ليست عالية الكفاءة في كسب الوقت. و عندما تتذكّر أنّ هنالك من استطاع أن يحفظ أكثر من 600.000 حديثٍ، من استطاع أن يؤلّف أكثر من 400 مؤلّفٍ، أن ينحت جبلاً بكامله، أن يؤسّس علوماً كاملةً تجد أنت من الصعوبة ما تجد لاستيعابها، فإنّك تبدأ في البحث عن طرقٍ أكبر كفاءةٍ في توفير الوقت، و قد تصل إلى الطرق التالية:

* حسن الاستغلال: كثيراً ما يكتشف الشخص متأخّراً أنّه كان يجلس على كنزٍ و هو لا يدري، و أنّه كان يظلم الأدوات التي كان يستخدمها، بما فيها عقله نفسه. فهذه الحاسبة الرديئة لم تكن متوفّرةً لنيوتن، و ذلك الحاسب البطيء قد يكون أسرع مما استخدم في إرسال أبولّو 11، و شبكة الإنترنت لم تكن متيسّرةً قبل زمنٍ قريبٍ. «لا تبحث عن عذرٍ، فالعذر لا يحتاج لبحث.» إذن فسوء الاستخدام و عدم الدراية قد يضيعان نصيباً مقدّراً من الوقت، و القاعدة هي: «اعرف قيمة ما تملك.»‏

* هل المشكلة مشكلة وقتٍ فعلاً؟ لابدّ من الإجابة على هذا السؤال لإيجاد حلٍّ عالي الكفاءة، فلو كانت المشكلة عدم رغبةٍ أو قلّة حماسٍ فإنّه يجب حلّها بدلاً من تجريب الطرق المذكورة. و من لا يخدع نفسه في هذه الكلّيّة قد يرى أن مشكلة أعمال السنة و تكدّس الواجبات و ضيق السمستر ليست في الحقيقة مشكلة وقتٍ و إنمّا هي مشكلة قلّة حماسٍ. و عدم الرغبة و قلّة الحماس مشاكلُ قائمةٌ بذاتها، و لن نتحدّث عن حلها الآن في هذه الورقة.‏

* زاوية النظر و طريقة التناول: مثلما يكون المنظر المتقايس و المساقط المساعدة لجسمٍ أوضح من المساقط الأساسيّة (التي تملك ميزاتها في المقابل)، كذلك قد توجد أكثر من طريقةٍ لأداء عملٍ ما، و لكلّ طريقةٍ قد توجد مزايا و عيوبٌ. الفلسفة المتّبعة هنا هي أنّ الوقت المنفق على البحث عن الطريقة الأفضل قد يكون كسباً في الوقت الإجماليّ للعمل. خذ مثلاً المسألة: ”أوجد معادلة المخروط الذي زاوية رأسه ‏‏‏ و رأسه النقطة (‏x0,y0,z0‎‏) و يمرّ محوره بالنقطة (‏x1,y1,z1‎‏).“ استخدام الهندسة التحليليّة لحلّ هذه المسألة قد يكون معقّداً، بينما قد لا يحتاج حلّها باستخدام المتّجهات لأكثر من خمسة أسطرٍ. و قد قال أحد زعماء الشطرنج: ”إذا خطرت لك نقلةٌ جيّدةٌ فلا تلعبها؛ فكّر قليلاً و ستجد نقلةً أروع،“ و هذه هي الطريقة.‏

هذه هي الطرق التي أعرفها لكسب الوقت، و أنتظر أن أعرف المزيد. و الطريقة الأخيرة هي في نظري الأكثر كفاءةً، فقد توفّر الوقت لدرجة لا نهائية، و يمكن أن تعمّم لتشمل كلّ الطرق الأخرى (كيف؟)، كما أنّها تنتج نتائجَ عجيبةً لو قُرنت بحسن الاستغلال (الطرق الطويلة تكمن فيها خبرةٌ كبيرةٌ). و بهذا الموضوع الهامّ جدّاً و المتناول هنا ببعض الاختصار نختم هذه السلسلة لهذا الفصل الدراسيّ، على أمل أن نلتقي مجدّداً في الفصل القادم إن شاء الله.

Posted in Arabic, رؤى جديدة | Tagged | Leave a comment

964034

‏(ملحوظةٌ: هذه الورقة لا تحمل أفكاراً جديدةً، و لكنّها تحمل كلاماً لابدّ من قوله لفهم بعض ما مضى و بعض ما قد يلي؛ لذلك أعتذر لمن صبر على قراءتها.)

بعد أن قدّمت نموذج الجمعيّات في الأسبوع الماضي قوبلت ببعض النّقد النّاتج ربّما عن عدم وضوح الفكرة أو الخطأ في فهمها. فقد ذهب البعض إلى أنّني أتحدّث عن ذلك الشّيء المعقّد الذي يحتوي على عددٍ كبيرٍ من الأعضاء و يحتوي على تلك الاجتماعات المملّة و غيرها. و بالمقابل فقد انتقد البعض قلّة الأعضاء و احتقروا ما يمكن أن تقوم به هذه الجمعيّات. الآن سأقدّم مثالاً لهذه الجمعيّات حتىّ تتضح الصّورة:

هذه الجمعيّة تتكوّن من عضوٍ واحدٍ هو كاتب هذه الورقة، و قد سمّاها ’964034‘، تاركاً الأسماء التي تحمل معاني عامّةً و جميلةً لجمعيّات قد تنشأ بعد ذلك. هدف الجمعيّة هو كما ذكر سابقاً، و ستتبنىّ الجمعيّة (إن شاء الله) إصدارةً تحمل اسمها. كلّ الأفكار التي تقدّمها الجمعيّة ستكون بتفصيلٍ أكثر مما في ’رؤى جديدة‘، و قد تتضمّن ترشيحاً لمن يمكن أن ينفّذ الفكرة .. هنا يظهر سؤالٌ هامٌّ و مقبولٌ، و هو: ”لماذا لا تنفّذ أفكارك هذه بنفسك؟“ ردّي على هذا السّؤال قد لا يخرج من أحد الردود الثلاثة التالية:

  • و ما يدريك؟ ربّما كنت فعلاً وضعت تنفيذ هذه الأفكار ببالي و شرعت فيه، و لكنّني لم أجد السعة الكافية من الوقت و الطاقة لتنفيذها. في النهاية أنا واحدٌ و الأفكار جماعةٌ، و الكثرة تغلب الشجاعة! أنت لا تعرف ظروفي.‏
  • حتىّ لو كان باستطاعتي تنفيذ هذه الأفكار فإنّني أرى في بعض الأحيان أنّ المصلحة العامّة تقتضي أن أبتعد أنا بالذات عن عملٍ ما أو آخر. عموماً فأنا أقبل أن أكون الشخص المناسب لعملٍ ما بناءً على مواصفات هذا العمل، و أرفض أن أكونَه بحكم وضعي.‏
  • حتىّ لو لم يكن هذا أو ذاك فإنّه ليس من العدل و لا من العقل أن تقتل فكرةٌ جيّدةٌ لأنّ صاحبها لا يريد أن ينفّذها – هذا طبعاً إن كانت الفكرة جيّدةً.‏

هناك شيءٌ لابدّ من التنبيه له، و هو أنّه في مجال الأفكار و المقترحات العمليّة يكثر ظهور الغلط و التّباين أكثر من ظهوره في مجال الآراء و وجهات النظر. و لكي لا تُسقط هذه على تلك أو العكس فإنّني أرجو من القارئ أن ينسى أنّه نفس الشّخص من يعمل في هذه الجمعيّة و من يكتب ’رؤى جديدة‘. و سأساعد على ذلك بكتابة اسم الجمعيّة في نشاطاتها بدلاً عن اسمي – رغم أنّه أيضاً اسمي؛ كذلك قد يظهر فرقٌ في إخراج العملين. و بالمناسبة فهذه ميزة للجمعيّات أنّها تساعد على تجريد الأفكار من شخصيّات أصحابها؛ و سأستغلّها بأن أتحدّث مثلاً عن محرّري ’‏‎9740‎‏‘ و ’‏‎9840‎‏‘ و ’آفاق‘ و ’كبسولة‘ و منظّمي المنتدى الأدبي و المنتدى الثّقافي و غيرهم، سأتحدّث عنهم على أنّهم جمعيّات كتلك التي ذكرتها؛ و هم فعلا يمكن أن يكونوا ذلك الشّيء. و سأعمل إن شاء الله على تيسير الاتّصال بينهم و تيسير اتّصالهم مع الآخرين – ما لزم ذلك و ما أمكن – من خلال إعلاناتٍ في الإصدارة المذكورة.

الآن قد قامت بحمد الله هذه الجمعيّة، و سأوقّع باسمي هذه المرّة على إعلان قيامها. بقي أن نراقب معاً نشاطها و ما قد تقوم به إن شاء الله، و الله الموفّق في كلّ شيءٍ.

Posted in 964034, Arabic | Tagged | Leave a comment

الجمعيّات: نموذجٌ ابتدائي

يحدث أحياناً أن تجد الناس يريدون أن يغيّروا وضعاً معيّناً (لاستيائهم منه أو بتحريضٍ من أحدٍ أو لأيّ سببٍ آخر)، و لا يمنعهم إلاّ أنّهم لا يدرون ما يصنعون لتغييره: يملكون الروح و لكن لا يملكون الأفكار و لا يعرفون الطريق. ربّما كان هذا هو الواقع الآن في هذه الكلّيّة؛ على الأقلّ هذا ما أشعر به، و هو كذلك ما أعلنه صراحةً أحد الزملاء قبل أيّامٍ في لقاءٍ جامع بين أساتذة و طلاب القسم الذي أدرس فيه. كخطوةٍ في طريق الحلّ أقدّم هذا النموذج الابتدائيّ لجمعيّاتٍ تمهّد الطريق لإصلاح الواقع في هذه الكلّيّة، و قد حاولت أن أخرج هذا النموذج بصياغةٍ تصلح مع بعض التعديل لأن تكون دستوراً لإحدى هذه الجمعيّات:

(1) الاسم و الهدف

(1.1) تسمّى الجمعيّة بأيّ اسمٍ يُتّفق عليه.

و بالمناسبة فإنّه لا ضرورة للاسم في بعض الأحيان كما سيتّضح لك من نوعيّة نشاط هذه الجمعيّات.

(1.2) تهدف الجمعيّة إلى إثراء النشاط في كلّيّة الهندسة و العمارة بطرح أفكارٍ لنشاطاتٍ ينفّذها الناس، و بتمهيد الطريق لمثل هذه النشاطات؛ كما تهدف إلى صياغة أعرافٍ و ضوابط للنشـــاط في الكلّيّة المعنيّة.

هذه النقطة قد تحتاج لبعض التفصيل:

هنالك مئات الأفكار التي يمكن أن تأتي من مثل هذه الجمعيّات. و فكرة المنتدى الشعري و المحاضرات الثقافيّة العامّة و أسبوع المهندس العاشر و غيرها كلّها أفكارٌ أتت من البعض و نفّذها معهم الآخرون – حتىّ مجرّد حضورهم يعتبر اشتراكاً في تنفيذ الفكرة لا يمكن الاستغناء عنه. أغلب الأفكار من هذا النوع يمكن أن تنقل بالخطاب المباشر، لذلك تحتاج الجمعيّة لقناة اتّصال ذات اتّجاهين مع الناس: تتبنىّ إصدارة مثلاً لإيصال أفكارها للناس، و تبتدع وسائل لمعرفة رأي الناس.

بالنسبة لتمهيد الطريق للنشاطات أيضاً يوجد الكثير الذي يمكن عمله، كجمع التبرّعات و تيسير الاتّصالات و إجراء الاستبيانات و الاستطلاعات و تجهيز لوحات الإعلانات … الخ. هذا هو الجانب الذي يؤدّيه أعضاء الجمعيّة بأنفسهم، و لا حاجة بهم لنقله للآخرين.

بالنسبة لصياغة الأعراف و الضوابط فهي مجالٌ للمنافسة بين الجمعيّات، و غالباً يكون نقل هذه الأعراف بالتمثيل. يتضمّن هذا الباب أشياء مثل أدب تعليق الملصقات: «لا تلصق الورق على الحائط؛ على الأقلّ مادام هنالك لوحة إعلاناتٍ.» و فنّيّات إخراج الأوراق المطبوعة، أدب التخاطب مع الناس، أدبيّات الأداء الأكاديمي، أدبيّات التشجيع في كرة القدم!! و غيرها من الأمثلة التي لم تحضرني الآن؛ كما يتضمّن إدخال أدب تسجيل الوقائع و التاريخ الاجتماعيّ و الثقافيّ للكلّيّة. و كلّ هذا سيكون مكتوباً بوضوح لدى الجمعيّة متيسّراً لمن يريده.

(2) العضويّة

(2.1) عضويّة الجمعيّة تكون مقفولةً على المؤسّسين؛ و لا تمنح العضويّة لأحد إلاّ بموافقة جميع الأعضاء.

(2.2) يتراوح عدد الأعضاء بين شخص واحدٍ و أكبر عددٍ يمكنه التفاكر و التعاون و تبادل الثقة بدون الحاجة لهيكلةٍ داخليّةٍ.

هذان البندان أيضاً يحتاجان لتوضيح:

المطلوب أن تعمل الجمعيّة بالكفاءة القصوى، لذلك نريد استبعاد أيّة عوائق من شاكلة وجود تنافرٍ بين اثنين من الأعضاء و التعطّل بسبب التسلسل الهرمي. و سواءٌ وُجد أحدٌ داخل إحدى هذه الجمعيّات أو لم يوجد لا يمنعه مانعٌ من التعاون مع هذه الجمعيّة – مادامت الغاية واحدةً: في النهاية شعار مثل هذه الجمعيّات يمكن أن يكون: «عملي ملكي، و لكنّ أفكاري ملك الجميع.»‏

(3) رئيس الجمعية

(3.1) يختار الأعضاء بالتراضي رئيساً لهم لأجل حفظ النظام.

(3.2) فيما عدا تنظيم النقاش و العملِ داخل الجمعيّة لا يملك الرئيس أيّة امتيازاتٍ على باقي الأعضاء.

(4) موارد الجمعيّة

(4.1) تموّل الجمعيّة نشاطاتها بمبدأ‏: «مادام عندي المال الكافي فلا يهمّني كم يملك الآخرين.»‏

(4.2) تقبل الجمعيّة أيّ تمويلٍ خارجيٍّ غير مشروطٍ.

(4.3) التصرّف في التمويل الخارجيٍّ يكون على الثقة بين الأعضاء.

التمويل غير المشروط هو ذاك الذي لا يترتّب عليه أيّ مَغْرَمٍ على الجمعيّة: لا مقابلٌ ماديٌّ ظاهرٌ، لا دعايةٌ للمموّل، و لا أيّ شيءٍ من هذا القبيل. و التمويل الخارجيّ يتضمّن الـ’‏share‏‘ التقليديّ الذي يعرفه الناس ههنا، بشرط ألاّ يتدخّل دافعه في عمل الجمعيّة مثلاً. جديرٌ بالقول أنّ هذين الموردين كافيان تماماً لمثل هذه الجمعيّات. لماذا؟ سأجيب على هذا السؤال بالتفصيل حين أتحدّث (إن شاء الله) عن ’شماعة الإمكانيّات‘ التي يعلّق الناس عليها فشلهم كثيراً.

(5) مهامّ الجمعيّة

(5.1) المهامّ الأساسيّة للجمعيّة، مثل إخراج إصدارة الجمعيّة و كتابة سجلاّت نشاط الجمعيّة و سجلاّت تاريخ الكلّيّة، يتحمّلها جميع الأعضاء.

(5.2) المهامّ الأخرى، مثل إجراء استبيان ما أو تنفيذ فكرةٍ ما، يتحمّلها صاحب الفكرة و من اقتنع بها.

(5.3) لا يحمل أيٌّ من نشاطات الجمعيّة اسمها إلاّ بموافقة جميع الأعضاء.

هذا هو النموذج الأوّليّ للجمعيّات التي لم أستطع أن أجد لها اسماً جامعاً مناسباً، و هو قابلٌ للتحسين و التطوير، منّي أو من غيري. بقي أن أعلّق على شيءٍ، و هو أنّ بعض الناس تنفّرهم الرسميّات و الكلمات من أمثال ’دستورٍ‘ و ’سجلاّتٍ‘ و غيرها، رغم إنهم يمارسون كثيراً مما اقتُرح لهذه الجمعيّات بصورةٍ تلقائيّةٍ. أقول: «لو أنّ الشخص نظر بعينه لا بأذنه لوجد كثيراً ممّا ظنّه معقّداً هو في الواقع أمرٌ بسيطٌ للغاية.»‏

Posted in Arabic, رؤى جديدة | Tagged | Leave a comment